المادة    
السؤال: أخت في مقتبل العمر -نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتها على الاستقامة- تقول: إن الله قد منَّ بالاستقامة عليها منذ فترة، إلا أنها تشكو من بُعد الوالد والإخوة عن الدين، وبقائها في فراغ في البيت بلا زوج ولا وظيفة، فماذا تفعل في إصلاحهم، وتقول: إنها تشعر باليأس، وتردد: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي.. إلخ؟
الجواب: الدعاء هذا حق، لكنه لا يدعى به على الإطلاق، إنما يدعى به إذا اشتبهت الأمور، ونحن الذي نراه إن شاء الله في هذه المرحلة أنك لست في وضع غير طبيعي؛ لأن وجود أخ أو أخت مستقيمة في بيت ليس فيه تلك الاستقامة، أو وجود أخت ذات فراغ بلا زوج ولا عمل ولا... هذا أمر ليس بمستغرب، ومن بلايا عصرنا المعقد ومشاكله التي يعاني منها كثير من الإخوة والأخوات، فلذلك نحن نقول: ليس في الأمر ما يقتضي الاقتراب من مرحلة اليأس، وإنما نقول: أيتها الأخت الكريمة! إننا -مثلما سبق الحديث آنفاً- نحتاج إلى صبر ومصابرة ودعوة إلى الله تبارك وتعالى مستمرة، ونحتاج إلى إيمان وضراعة إلى الله عز وجل في تثبيتنا واستقامتنا وتثبيت الأخوات اللائي نريد أن ندعوهن، والأهل والوالدين على نحو ذلك.
والله تبارك وتعالى في القرآن ضرب لنا أمثلة من هذا، فإبراهيم عليه السلام إمام الموحدين الذي لا يمكن أن يقول أحد: إنه لم يقم بواجب الدعوة أو لا يستطيعها أو غير بليغ فيها، قد عانى ما عانى من أبيه، والنبي صلى الله عليه وسلم كذلك في قصته مع عمه أبي طالب ... وهكذا. فالقضية كما قال عز وجل: ((إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ))[القصص:56].
وأوصي بالوالدين بالذات خيراً كما أمر الله تبارك وتعالى: ((وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ))[لقمان:15] المصاحبة بالمعروف حقٌ جعله الله تبارك وتعالى للوالدين المجاهدين لابنهما على الشرك، وليس فقط للمستقيمين الطيبين الطاهرين المخبتين المنيبين: ((وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا))[العنكبوت:8] فهناك نهي صريح، بل براءة مما يكون عليه الوالدان من الشرك، ومع ذلك فهناك أمر بالمصاحبة بالمعروف أي: المعاشرة والخدمة والقيام بالواجب، والبر والصلة والإحسان، وهذا من أعظم أسباب الدعوة، وليس المقصود فقط الدعوة، وإنما هو مقصود لذاته، حتى وإن لم يؤمن الأب ولم يهتد لا يسقط حقه من البر والوفاء معه.
أما مسألة عدم الزوج والوظيفة فهذه أمور يشتكي منها المجتمع، ويجب أن تحل لا عن طريق الأخت وحدها، بل عن طريق الإخوة والأخوات والمجتمع ككل يتعاون في هذا الشأن ويجتهد في ذلك، وإذا جاء الزوج وهو موظف فالحمد لله نكون في غنى عن العمل والوظيفة إلا وظيفة الأمومة والحياة الزوجية والقيام بالدعوة أيضاً مع ذلك، ولكن المقصود أن هذا من واجب الجميع التعاون فيه، وعلى الأخت الفاضلة أن تجعل دعاءها هو: أن ييسر الله تبارك وتعالى لها الحياة الطيبة الكريمة، وأن يمن عليها بزوج يسعدها ويعينها على تقوى الله وطاعته، ونحن جميعاً ندعو ونقول: آمين لها ولأخواتها أجمعين.